كشفت مذكرة (وثيقة) مرفوعة من وزير الداخلية السابق للانقلابين، اللواء جلال الرويشان، عن وجود فساد كبير في جمرك ميناء الصليف – محافظة الحديدة، تحت نظر وتستر رئيس مصلحة الجمارك المعين من الانقلابيين، ما تسبب في فقدان خزينة الدولة لمئات الملايين.
واستعرضت الوثيقة المرفوعة من الرويشان إلى رئيس مصلحة الجمارك، بتاريخ 22 نوفمبر (الشهر الماضي)، جملة من المخالفات والاختلالات المالية والادارية وعمليات فساد، ارتكبتها ادارة جمرك ميناء الصليف والموظفين والعاملين في الميناء. من بينها، وأبرزها: الأفراج عن مليون لتر من الديزل تتبع التاجر العيسي بناء على توجيهات صادرة من مشرف الحوثيين في الجمرك مما أدى الى خسارة الدولة لمبلغ وقدره 210 مليون ريال. اضافة الى عدم خضوع التاجرين "فاهم" و "الحباري" للإجراءات الجمركية بشكل تام وقيامهم بتفريغ العديد من الشحن المستوردة لمنشأتهم مباشرة دون رقابة أو معرفة الكميات، إلى جانب حدوث تلاعب بالتسعيرات والبيانات الجمركية لبعض التجار، ما ينتج عنه فقدان مبالغ مالية كبيرة تصل إلى عشرات الملايين.
وجاءت مذكرة وزير الداخلية السابق للانقلابين، حصل "يمن شباب نت" على نسخة منها، كرد على مذكرة رفعها إليه وكيل مصلحة الجمارك، بتاريخ 10 أكتوبر الماضي، يرفض فيها إجراءات التحقيق التي قامت بها إدارة مباحث الأموال العامة بمحافظة الحديدة مع موظفي الجمارك بميناء الصليف، والذين أشارت مذكرة وكيل المصلحة إلى تمتعهم بحصانة قضائية طبقا لقانون الجمارك، الذي يمنع مسائلتهم أو التحقيق معهم في مجال عملهم إلا بموافقة مسبقة من النائب العام.
وفي سياق رده على مذكرة وكيل المصلحة، استعرض الرويشان مجموعة كبيرة من الاختلالات والمخالفات الكبرى التي أثبتتها نتائج تحقيقات إدارة مباحث الأموال العامة بالحديدة، ورفعت بها تقريرا يتكون من (853) ورقة من الوثائق والمحاضر المتعلقة، حسب ما أشارت المذكرة.
ومن ضمن الاختلالات، التي وردت ضمن مذكرة وزير الداخلية السابق للانقلابين، عدم قيام رئاسة مصلحة الجمارك بدورها الرقابي إطلاقا، وأنها تكتفي فقط بتشكيل لجان تحولت إلى "لجان توصيات" دون أن تشير في تقاريرها إلى مكامن الخلل والأسباب المؤدية إلى قلة الإيرادات الجمركية والضريبية، ودور العاملين الذي أدى إلى تدني الإيرادات، وما مدى تطبيق الجمرك لتعليمات رئاسة المصلحة، ولم توجه اللوم إلى المدير العام أو أحد الموظفين "ولكنها تكتفي بالتوصيات، وبهذا يشعر موظفي الجمارك بأنهم يتمتعون بحصانة وظيفية مهما ارتكبوا من مخالفات".
أبرز الاختلالات والتلاعبات
وأشارت المذكرة المذكورة إلى أن نتائج التحقيقات الأولية التي قامت بها إدارة مباحث الأموال العامة بمحافظة الحديدة، وضمنتها تقريرها المرفوع إلى مدير عام شرطة الحديدة ومنه إلى الوزارة، بتاريخ 5 نوفمبر 2016، أثبتت "وجود تلاعب واختلالات وتهرب جمركي وضريبي من قبل بعض التجار نتيجة إهمال وتغاضي وسوء إدارة من قبل إدارة جمرك ميناء الصليف والعاملين فيه، مما يتسبب في حرمان خزينة الدولة الملايين من الرسوم الجمركية".
وجاء في تصدير المذكرة: أنه ومن خلال الاطلاع على الدورة المستندية الجمركية والتي تبدأ بوصول السفينة والقيام بفصحها ومطابقتها بالوثائق التي يقدمها التاجر، وفتح البيان الجمركي وتحديد الرسوم الجمركية والضريبية، وانتهاء بالإفراج عن الشحنة..، حيث تبين وجود الاختلالات والتلاعبات الجمركية التالية:-
- أولا: حدوث عمليات تهرب جمركي وضريبي من قبل التجار المستوردين للبضائع عن طريق الميناء نتيجة عدة عوامل منها: -
- عدم وجود ميزان محوري يمكن من معرفة وزن وحجم البضائع ليتسنى للمختصين احتساب الرسوم الحقيقية.
- عدم وجود أي رقابة حقيقية من قبل المختصين في الجمرك على تفريغ البضائع من البواخر إلى الشاحنات ومن ثم إلى البوابة لاستلام الفك دون تطبيق قانون الجمارك من التأكد من نوع وحجم ومقدار البضائع المستوردة.
- الأشخاص المكلفين من قبل الجمارك وعددهم اثنين فقط لا يمتلكون خبرة، وتبين عدم تواجدهم أثناء تفريغ باخرة محملة بالحديد إلى فوق الشاحنات مباشرة.
- يقوم التجار المستوردين أو من يمثلهم بتسليم صورة فقط من أصل الوثائق الخاصة بالسلعة المستوردة، ويقوم قبطان السفينة أيضا بتسليم صورة من المنافست والبوليصات الخاصة بالبضائع مما يفتح المجال واسعا لعملية التزوير بالاشتراك مع شركات الشحن لتقديم معلومات مغلوطة عن الكمية ومقدار ونوع ووزن الشحنة والأسعار الحقيقية، واكتفاء المختصين بالجمارك بتلك الصورة مما يؤدي إلى تهرب التاجر عن دفع الرسوم الحقيقية.
- عدم قيام إدارة الجمارك بمتابعة أسعار السلع المستوردة حسب السعر العالمي بالبوليصة والتي ارتفعت بفعل العدوان على بلادنا والاكتفاء بالأسعار القديمة المعممة من المصلحة والتمسك بها لاحتساب الرسوم مما يقلل الرسوم المستحقة.
- عدم وجود أي نوع من الرقابة الجمركية على ما يستورده التاجرين فاهم والحباري اللذان يمتلكان صوامع وهناجر بداخل الميناء، حيث يتم تفريغ مادة القمح والدقيق من البواخر إلى هذه الهناجر مباشرة عبر أنابيب دون معرفة الكمية المستوردة، عدى ما يقدمه التاجرين. علما أنه سبق أن حصل تهرب ضريبي وجمركي من قبل التاجر فاهم، وعليه بيانات جمركية معلقة بمبالغ مالية كبيرة لم يقم بسدادها منذ عشر سنوات. (البيان الخاص بالسكر)
- قيام إدارة الجمارك بإعفاء عدد تسعة تجار مستوردين مادة الديزل من رسوم جمركية مستحقة عليهم بمبلغ مائة وسبعة عشر مليون ريال، وتحرير محاضر داخلية بذلك بالاستناد إلى بعض الحجج الواهية.
- وجود بيانات جمركية بمبالغ مالية تصل إلى مئات الملايين لم تقم إدارة الجمارك باستيفائها وتوريدها إلى خزينة الدولة، رغم مضي سنوات، وإهمالها من قبل إدارة الجمرك والتواطؤ مع أصحاب البيانات.
- وجود تلاعب من قبل إدارة التدقيق والتعديل بالجمرك، وذلك في إحتساب سعر الطن الواحد لمادتي كبسة فول الصويا والذرة لعام 2014، حيث يظهر الفارق كبير لاحتساب هاتين المادتين بين جمرك ميناء الحديدة ومينا الصليف في نفس الفترة، مما يؤدي لحرمان الدولة من الملايين من الرسوم الجمركية نتيجة ذلك.
- حدث تزوير في البيان الجمركي المقدم من التاجر الصلاحي في عقد الشراء من حيث القيمة لسعر الطن الواحد للذرة ولفول الصويا، وتم الرفع بذلك من قبل نائب مدير الجمرك ومدير إدارة التدقيق والتعديل إلى مدير عام الجمرك، إلا أن الأخير أكمل الإجراءات للشحنة دون استيفاء الغرامات والفوارق المستحقة للدولة والتي تتجاوز عشرات الملايين.
- ثانيا: لا تقوم رئاسة مصلحة الجمارك بواجبها في ضبط المخالفات التي تحدث من موظفيها في الفروع، وإذا ما ظهرت أي مخالفات أو تهرب جمركي من قبلهم تقوم رئاسة المصلحة بتشكيل لجنة بالنزول الى الجمرك والتأكد من وجود هذه المخالفة من عدمه وتتحول هذه اللجان إلى لجان توصيات دون أن تشير في تقاريرها إلى مكامن الخلل والأسباب المؤدية إلى قلة الإيرادات الجمركية والضريبية، ودور العاملين الذي أدى إلى تدني الإيرادات، وما مدى تطبيق الجمرك لتعليمات رئاسة المصلحة ولم توجه اللوم إلى المدير العام أو أحد الموظفين ولكنها تكتفي بالتوصيات وبهذا يشعر موظفي الجمارك بأنهم يتمتعون بحصانة وظيفية مهما ارتكبوا من مخالفات.
- ثالثا: يقوم مدير عام الجمرك بصرف المبالغ المالية التي يتم تحصيلها من الغرامات بالمخالفة للوائح المالية التي يقرها القانون والنسب المحددة لكل بند، ويقوم المدير بصرف الكثير من هذه المبالغ لصالحه الشخصي (بترول، إيجار مسكن، إصلاح سيارة)، وغيرها من الأشياء له وللمقربين منه.
- رابعا: يدير المدير العام الجمرك بصورة سيئة، ويظهر ذلك جليا من الأمور التالية: (أوردت المذكرة أربعة اختلالات هامة، يمكن الاطلاع عليها من صورة الوثيقة المرفقة)
- خامسا: أورد الأخ مدير إدارة الرقابة والتعديل والتدقيق بجمرك الصليف عن قيام الأخ نائب المدير العام بالإفراج عن كمية مليون لتر ديزل كانت موضوعة كضمان بمنشآت رأس عيسى، لكي بقوم صاحب هذه الكمية التاجر العيسي بسداد ما عليه من رسوم جمركية على الشحن، التي أستوردها والتي بلغت مائتين وعشرة مليون ريال. وقد أفاد نائب مدير جمرك الصليف في محضر رسمي حرر معه بأن التاجر العيسي قد أستورد كمية 6800 طن ديزل عن طريق ميناء رأس عيسى وتم فتح بيان جمركي لهذه الشحنة برقم (77) واحتساب الرسوم المستحقة عليه والتي بلغت مائتين وعشرة مليون ريال إلا أنه لم يقم بسداد أي جزء منها وحصل على توجيهات من وزارة المالية والجهات المختصة إلى جمرك الصليف بالإفراج عن جزء من الكمية بتعهد كتابي بالتسديد، وذلك في مخالفة صريحة للقانون والإجراءات المتبعة في الجمارك، وتم الإفراج عن ما يعادل 85% من كمية الشحنة ولم يتبق سوى مليون لتر فقط من الكمية. وأنه في يوم 5/4/2015 تقدم المدعو أبو الليث مندوب أنصار الله بطلب إلى مدير الجمرك بالافراج عن الكمية المتبقية خوفا عليها من قصف العدوان، وأن هذه الكمية ستكون بنظره وتحت تصرفه وسيتم توزيعها على المرافق الحيوية العامة. ونظرا لغياب المدير العام في ذلك الحين وجه النائب بالافراج عن الكمية المتبقية وتم الافراج عنها على دفعات وكان بإمكان المدير العام إيقاف أمر الإفراج عن باقي الكمية المخالف للقانون. علما أن مشرف أنصار الله على الموانئ (أبو محمد) قام بالمتابعة لتوريد الرسوم المستحقة على التاجر العيسي، حيث تمكن من استيفاء جزء من المبلغ وقدره مائة مليون ريال.
وأختتم وزير الانقلابين السابق مذكرته باقتراح عدد من الإجراءات لرفع إيرادات جمرك الصليف وتحسين أدائه (يمكن الاطلاع عليها من الوثيقة المرفقة).
إقالة الرويشان
يذكر أن التحالف الانقلابية للحوثي والمخلوع صالح، أطاح مؤخرا بالوزير الرويشان من منصبه في قيادة وزارة الداخلية، ضمن حكومته الانقلابية الجديدة التي أعلن عنها قبل أسابيع، وتم تعيينه نائبا لرئيس الوزراء لشئون الأمن، وهو منصب هامشي لا يمتلك الكثير من الصلاحيات مقارنة بمنصبه السابق كوزير للداخلية.
جاء ذلك، بعد أسابيع من تسرب وثائق رسمية للصحافة باسم وزير الداخلية، مطلع نوفمبر الماضي، تكشف العديد من الاختلالات والتلاعبات وعمليات فساد يمارسها المشرفون التابعون لميليشيات الحوثي في مختلف الإدارات والأجهزة التابعة لوزارة الداخلية، بينها إدارة المرور وشرطة السير بالأمانة وبعض المحافظات الأخرى الواقعة تحت سيطرتهم، وتضمنت بعض تلك الوثائق انتقادا لاذعا لسلوك اللجان الثورية التابعة للحوثيين.